18/09/2021 - 21:26

حوار مع ليئا تسيمل: عن سياسات الاعتقال والأسر

شكلّت منظومة الأسر والاعتقال مركبا أساسيا في هيكلية عسكرية استعمارية متكاملة من القمع والحرمان والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية التي كرستها إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، وإحدى أدوات فرض السيطرة والهيمنة، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتركيعه.

حوار مع ليئا تسيمل: عن سياسات الاعتقال والأسر

سجن "عوفر" غربي رام الله (أ ب)

شكلّت منظومة الأسر والاعتقال مركبا أساسيا في هيكلية عسكرية استعمارية متكاملة من القمع والحرمان والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية التي كرستها إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، وإحدى أدوات فرض السيطرة والهيمنة، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتركيعه.

ولإحكام هذه المنظومة وتشديد قبضتها على المواطنين الفلسطينيين؛ قامت إسرائيل بتمرير أوامر عسكرية وقوانين وتشريعات عنصرية بتواطؤ مع جهاز القضاء وشرطة وجيش الاحتلال؛ من أجل احتجاز أبناء شعبنا وإطالة أمد اعتقالهم بمخالفة صارخة لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؛ حيث طالت منظومة الاعتقال التعسفي وجميع إفرازاتها كل عائلة فلسطينية تقريبا؛ وشملت نحو مليون فلسطيني.

ووفقا لمتابعة المؤسسات الحقوقية الخاصة بشؤون الأسرى، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت خلال السنة الأخيرة 2020، نحو 4634 فلسطينيا من بينهم 543 طفلا و128 امرأة، ووصل عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة 1114 أمر اعتقال إداري.

وأشارت مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان من ضمنها هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز معلومات وادي حلوة- سلوان، في تقرير سنوي مشترك إلى أن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020 نحو 4400 أسير منهم 40 أسيرة، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو 170 طفلا وعدد المعتقلين الإداريين نحو 380 معتقلا.

ووصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 226 شهيدًا، حيث ارتقى أربعة منهم أسرى داخل سجون الاحتلال خلال العام المنصرم، ووصل عدد الأسرى الذين صدر بحقهم أحكامًا بالسّجن المؤبد إلى 543 أسيرًا، فيما وصل عدد الأسرى المرضى قرابة 700 أسير منهم قرابة 300 حالة مرضية مزمنة وخطيرة، وتعتبر سياسة الإهمال الطبي المتعمد آلية يعتمدها الاحتلال للقتل البطيء حيث بلغ عدد الأسرى الذين قضوا بهذه الطريقة 71 أسيرا.

فيما بلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو 26 أسيرا، أقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان منذ كانون الثاني/ يناير عام 1983 بشكل متواصل، والأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، ما مجموعها أكثر من 40 عاما، قضى منها 34 عاما بشكل متواصل، وتحرر عام 2011 في صفقة "وفاء الأحرار"، ثم أُعيد اعتقاله عام 2014، كما تعتقل إسرائيل 9 نواب من المجلس التشريعي.

وحول موضوع الأسرى والاعتقالات في ضوء عملية النفق وما سلطته من ضوء على قضيتهم ومعاناتهم، أجرينا هذا الحوار مع المحامية، ليئا تسيمل، التي دافعت خلال عقود عن آلاف المعتقلين والأسرى الفلسطينيين، أمام المحاكم العسكرية وغير العسكرية الإسرائيلية في مختلف مراحل النضال الفلسطيني ومحطاته.

"عرب 48": يمكن القول إن إسرائيل استعملت آلية الاعتقال والأسر كسياسة للسيطرة على الشعب الفلسطيني وإخضاعه، وقد جرى تجريب هذه السياسة منذ عام 1948 عندما جرى بعد النكبة وإعلانها عن قيام دولتها جميع الرجال الفلسطينيين، بل جميع الذكور فوق سن الـ16 عاما وإبقائهم لأشهر طويلة قيد الاعتقال دون محاكمة ودون أن يعرف أهاليهم عن مكان اعتقالهم، وقد واصلت استعمال هذه السياسة على نطاق واسع بعد احتلال الـ67 حيث أقامت شبكة واسعة من السجون ومراكز الاعتقال والمحاكم العسكرية الصورية داخل الأراضي المحتلة وخارجها وزجت فيها الآلاف وعشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني!

تسيمل: إنها أكثر من سياسة، هي عُرف سعت إسرائيل إلى تحويله على مدى سنوات الاحتلال إلى حالة طبيعية، وإذا كانت المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بشؤون الاسرى تقدر من تم اعتقالهم خلال سنوات الاحتلال بمليون فلسطينيا فأنا أتخيل أن العدد هو أكبر من ذلك، لأنه لا يوجد فلسطيني في جيل معين لم يمر من تحت مكبس الاعتقال، ولا توجد عائلة فلسطينية لم تذق مرارة الأسر والاعتقال من خلال أحد أبنائها.

الاعتقال تحول إلى تقليد فلسطيني دائم ويومي، حيث تقوم إسرائيل بالاعتقال حتى في المخالفات الخفيفة التي لا تستحق الاعتقال ولا يتم الاعتقال ضد منفذيها داخل إسرائيل، فالسياسة تجاه الفلسطينيين تقضي بالاعتقال أولا وبعد ذلك يتم التحري والفحص الذي يتوقف على نتائجه الإفراج أو تقديم لائحة اتهام، بمعنى أن الاعتقال لا يحتاج إلى حجج وقرائن معقولة، كما هو معمول به في جميع أنحاء العالم.

ليئا تسيمل (شاشة)

كما أن الاعتقال بالنسبة لإسرائيل هو وسيلة للسيطرة على الشعب المحتل، فهي تسيطر بواسطة تشديد الرقابة وقبضة الاضطهاد، ما يتطلب فرض العقوبة على كل من "يخرج عن الطابور"، وهي توظف لهذا الغرض عشرات آلاف الجنود والسجانين في إطار منظومة كاملة لتنفيذ سياسة الإخضاع والسيطرة على الفلسطينيين.

"عرب 48": عُرف عن إسرائيل ضربها بالقانون الدولي عرض الحائط وهي لا تعترف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب أو مناضلين من أجل الحرية، رغم أن الحديث يدور عن أراض محتلة وفق القانون الدولي، وهي تراعي ذلك عبر إقامة نظام عسكري في هذه المناطق، وهو ما تقلص إلى أبعد الحدود بعد اتفاق أوسلو!

تسيمل: إسرائيل أقامت منظومة من السجون ومراكز الاعتقال والمحاكم العسكرية وقد وصل عدد السجون في الضفة وقطاع غزة قبل اتفاق أوسلو إلى 17 سجنا، منتشرة بين طولكرم ونابلس وجنين والخليل وغزة، زجت فيها آلاف الفلسطينيين.

كما أنها قامت في حالات معينة باعتقالات واسعة وجماعية، حيث اعتقلت في فترة الانتفاضة الأولى 12 ألف فلسطيني غالبيتهم "اعتقال إداري" دون محاكمة، وبعد اتفاق أوسلو أخرجت السجون العسكرية من المدن الفلسطينية وركزت السجون في النقب، "كتسيعوت" و"نفحة" والجليل شطة والجلبوع وريمون، كما حاولت الالتفاف على القانون الدولي بإقامة مراكز اعتقال ومحاكم على خط التماس، "عوفر" و"سالم"، علما أن هناك قانون إسرائيلي يجيز اعتقال فلسطينيين من الأراضي المحتلة في داخل إسرائيل.

نقل الأسرى إلى داخل إسرائيل صعب بشكل كبير قضية زيارات العائلات، لأن الدخول إلى إسرائيل يحتاج إلى تنسيق مسبق، الأمر الذي مدد فترة الزيارة إلى شهرين وأكثر وجعلها خاضعة لإجراءات "أمنية" ومعاناة كبيرة، وباختصار فإن العائلات بالكاد يتسنى لها زيارة أبنائها الأسرى.

أما بالنسبة للاعتراف بالأسرى كأسرى حرب وتطبيق المعاهدات الدولية عليهم، فإن إسرائيل تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط، وقد رفضت الاعتراف حتى بالأسرى الذين تسللوا من دول معترف بها مثل لبنان وسوريا والأردن، وعناصر حاربوا علنا وفق القواعد الدولية للكفاح المسلح وكانوا يحملون السلاح ويرتدون الزي العسكري، بمعنى أنهم لم يتخفوا بالزي المدني.

إسرائيل وجدت الوصفة السحرية لهذه القضية بإطلاق صفة "المخربين" على كل من يناهضها، وكأن هذا التعبير يحل كل قضية وكل سؤال أخلاقي ويسبغ الشرعية على كل أفعالها.

"عرب 48": إسرائيل أقامت عشرات السجون ومراكز الاعتقال داخل الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة وقطاع غزة، وأقامت داخلها أو إلى جانبها محاكم عسكرية صورية، بمعنى أنه في كل هذه المنظومة لا يمكن تمييز القاضي عن السجان، فما هو دور المحامي في هكذا نظام؟

تسيمل: قسم كبير من التحقيقات تجري مع المعتقلين وهم ممنوعون من الالتقاء بمحاميهم ومن خلال استعمال وسائل ضغط نفسية وجسدية عليهم لانتزاع اعترافاتهم، لذلك فإن دور المحامي محدود في المحاكم العسكرية وحتى في المحاكم المدنية عند الحديث عن قضايا أمنية، لذلك يفضل المحامون التوصل إلى صفقات مع النيابة العسكرية أو غير العسكرية وعدم إدارة محكمة نتيجتها معروفة سلفا.

كما أن غالبية الأحكام تستند إلى اعترافات المتهمين، وهي اعترافات معروف كيف يتم الحصول عليها في أروقة تحقيق "الشاباك"، بعد منع اللقاء مع المحامي وبعد استعمال كافة الأساليب المعروفة وبينها الضغوطات "المعقولة" وغير "المعقولة" و"غرف العصافير" وغيرها.

"عرب 48": ماذا حول كل ما يتعلق بالآلية القانونية الخاصة بالاعتقال والتحقيق والمحاكمة والسجون، إسرائيل تقيم منظومتين قانونيتين واحدة للفلسطينيين وواحدة للإسرائيليين؟

تسيمل: صحيح، هناك تصنيف على أساس أمني، حتى أن المعتقل لمجرد أنه شارك بمظاهرة يصنف على أنه سجين أمني، وعليه فإن التعامل معه يختلف خلال التحقيق والمحاكمة وظروف السجن والحقوق التي يحصل عليها، فإذا كنت أسيرا أمنيا أنت ممنوع من الزيارات العائلية والاتصالات الهاتفية والكثير من الحقوق التي يتمتع بها السجناء الجنائيين.

الأمر صحيح أيضا بالنسبة لأساليب التحقيق فحتى المشاركة في التظاهرات تجري تحت يافطة "الإرهاب"، وتخضع لسلطة "الشاباك" بغض النظر إذا جرت داخل الخط الأخضر أو خارجه، ويتم التحقيق فيها في أروقة "الشاباك" وباستعمال العصافير ومنع الالتقاء بالمحامين غيرها من الأساليب المعروفة، وقد بدى ذلك واضحا خلال الهبة الأخيرة التي جرى خلالها اعتقالات جماعية بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر على خلفية المشاركة في مظاهرات احتجاجية جرت في المدن المختلطة والقرى والمدن العربية.

التعليقات